لا يكادان يجتمعان لمستمتع ومرتع، وللسَّمع منها حظُّ الذي لا مؤونة عليه، ولا تطرب آلته إلا إليه.
وللَّمس فيها الشَّهوة والحنين إلى الباه. والحواسُّ كلُّها رواد للقلب، وشهودٌ عنده.
وإذا رفعت القينة عقيرة حلقها تغنِّي حدَّق إليها الطَّرْف، وأصغى نحوها السَّمع، وألقى القلب إليها الملك، فاستبق السّمع والبصر أيُّهما يؤدِّي إلى القلب ما أفاد منها قبل صاحبه، فيتوافيان عند حبَّة القلب فيُفرغان ما وعياه، فيتولَّد منه مع السُّرور حاسَّة اللمس، فيجتمع له في وقتٍ واحد ثلاث لذات لا تجتمع له في شيء قطّ، ولم تؤدِّ إليه الحواسُّ مثلها. فيكون في مجالسته للقينة أعظم الفتنة؛ لأنه روى في الأثر: " إياكم والنَّظرة فإنّها تزْرع في القلب الشَّهوة ". وكفى بها لصاحبها فتنةً، فكيف بالنَّظر والشهوة إذا صاحبهما السَّماع، وتكانفتهما المغازلة.
إنَّ القينة لا تكاد تُخالص في عشقها، ولا تُناصح في ودِّها؛ لأنها مكتسبة ومجبولةٌ على نصب الحبالة والشَّرك للمتربِّطين، ليقتحموا في أُنشوطتها، فإذا شاهدنا المشاهد رامته باللَّحظ، وداعبتْه بالتبسُّم، وغازلته في أشعار الغناء، ولهجت باقتراحاته، ونشطت للشُّرب عند شربه، وأظهرت الشَّوق إلى طول مكثه، والصَّبابة لسرعة عودته، والحزن لفراقه. فإذا أحسَّت بأنَّ سحرها