فوضعنا في كتابنا هذا حُججاً على من عابنا بملك القيان، وسبَّنا بمنادمة الإخوان، ونقم علينا إظهار النِّعم والحديث بها. ورجونا النّصر إذ قد بدينا والبادي أظلم، وكاتب الحقّ فصيح - ويروي " ولسان الحقِّ فصيح " - ونفْس المحرج لا يُقام لها، وصولة الحليم المتأني لا بقاء بعدها.
فبيَّنَّا الحجّة في اطِّراح الغيرة في غير محرَّم ولا ريبة، ثم وصفْنا فضل النعمة علينا، ونقضْنا أقوال خصمائنا بقولٍ موجزٍ جامعٍ لما قصدْنا. فمهما أطنبنا فيه فللشَّرح والإفهام، ومهما أدمجنا وطوينا فليخفَّ حمله. واعتمدنا على أنَّ المطوّل يقصَّر، والملخَّص يختصر، والمطويَّ يُنشر، والأصول تتفرع، وبالله الكفاية والعون.
إنّ الفروع لا محالة راجعةٌ إلى أصولها، والأعجاز لاحقةٌ بصدورها، والموالي تبعٌ لأوليائها، وأمور العالم ممزوجة بالمشاكلة ومنفردة بالمضادَّة، وبعضها عِلَّةٌ لبعض، كالغيث علَّة السَّحاب والسَّحاب علَّة الماء والرُّطوبة، وكالحبّ عِلّته الزَّرع، والزَّرع علَّته الحبّ، والدَّجاجة علَّتها البيضة، والبيضة علَّتها الدجاجة، والإنسان علّته الإنسان.
والفلك وجميع ما تحويه أقطار الأرض، وكلُّ ما تُقلُّه أكنافها للإنسان خولٌ ومتاعٌ إلى حين. إلاّ أنّ أقرب ما سُخِّر له من روحه وألطفه عند نفسه " الأُنثى "؟ فإنّها خُلقت له ليسكن إليها، وجُعلت بينه وبينها مودّة ورحمة.