الرسالة الثالثة عشرة
كتاب مُفاخرة الجواري والغلمان
بسم الله الرحمن الرحيم
بالله نستعين، وإياه نستهدي، وعليه نتوكل.
إنّ لكل نوعٍ من العلم أهلاً يقصدونه ويُؤْثرونه، وأصناف العلم لا تُحصى، منها الجزلُ ومنها السَّخيف. وإذا كان موضع الحديث على أنّه مُضحكٌ ومُلهٍ، وداخلٌ في باب حدّ المزج، فأُبدلت السَّخافة بالجزالة انقلب عن جهته، وصار الحديث الذي وُضع على أن يَسُرَّ النفوس يكرُبُها ويغُمّها.
ومن كان صاحب علم ممرَّناً موقَّحا، إلف تفكير وتنقيب ودراسة، وحلف تبيُّن، وكان ذلك عادةً له، لم يضره النَّظرُ في كلِّ فنٍّ من الجدّ والهزل؛ ليخرج بذلك من شكل إلى شكل. فإنَّ الأسماع قد تملُّ الأصوات المطربة، والأوتار الفصيحة، والأغانيَّ الحسنة، إذا طال ذلك عليها.
وقد رُوي عن أبي الدّرداء رضي الله عنه أنه قال: " إنِّي لأستجمُّ نفسي ببعض الباطل مخافة أن أحمل عليها من الحقّ ما يُملُّها ".
وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: " العلم أكثر من أن يُحصى، فخذوا من كلِّ شيءٍ أحسنه ".