الرسائل للجاحظ (صفحة 439)

فدع عنك أفعالاً يشينك فعلهاوسهِّل حجاباً إذنُه ليس ينفع

وحدّثني عبد الله بن أبي مروان الفارسي قال: ركبت مع ثمامة بن أشرس إلى أبي عبّادٍ الكاتب، في حوائج كتب إليَّّ فيها أهل إرمينيّة من المعتزلة والشيعة، فأتيناه فأعظم ثمامة وأقعده في صدر المجلس وجلس قُبالته، وعنده جماعةٌ من الوجوه، فتحدثْنا ساعة ثم كلَّمة ثمامة في حاجتي، وأخرجت كتب القوم فقرأها، وقد كانوا كتبوا إلى أبي عبّادٍ كتبا، وكانوا أصدقاءه أيّام كونه بإرمينية، فقال لي: بكِّر إليّ غداً حتّى أكتب جواباتها إنْ شاء الله. فقلت: جعلني الله فداك، تأمر الحاجب إذا جئت أن يأذن لي. فغضب من قولي واستشاط وقال: متى حُجبت أنا، أولى حاجبٌ، أو لأحد عليَّ حجاب!.

قال عبد الله: وقد كنت أتيته فحجبني بعض غلمانه، فحلف بالأيمان المغلَّظة أن يقلع عينا من حجبني، ثم قال: يا غلام، لا يبق في الدار غلامٌ ولا منقطعٌ إلينا إلاَّ أحضرتمونيه! قال: فأتى بغلمانه وهم نحوٌ من ثلثمائة، فقال: أشرْ إلى من شئت فيهم. فغمزني ثمامة فقلت: جُعلت فداك لا أعرفُ الغلام بعينه. فقال: ما كان لي حاجبٌ قطٌّ، ولا احتجبت، وذلك لأنَّه سبق منّي قول، لأنّي كنت وأنا بالريّ وقد مات أبي وخلَّف لي بها ضياعاً فاحتجت إلى ملاقاة الرجال والسُّلطان فيما كان لنا، فكنت أنظر إلى الناس يدخلون ويصلون وأُحجب أنا وأُقصى، فتتقاصر إليّ نفسي،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015