لا جرم لقد احتلبوا به دماً لا تطير رغوته، ولا تسكن فورته، ولا يموت ثائره، ولا يكلّ طالبه. وكيف يضيع دمٌ الله وليُّه والمنتقم له؟! وما سمعنا بدمٍ بعد دم يحيى بن زكريا عليه السلام غلا غليانه، وقتل سافحه، وأدرك بطائلته، وبلغ كلّ محْنته، كدمه الله عليه.
ولقد كان لهم في أخْذه وفي إقامته للناس والاقتصاص منه، وفي بيع ما ظهر من رباعه وحدائقه وسائر أمواله، وفي حَبْسه بما بقي عليه، وفي طمْره حتَّى لا يُحسَّ بذكره، ما يُغنيهم عن قتله إنْ كان قد ركب كُلَّ ما قّفوه به، وادَّعوه عليه.
وهذا كلُّه بحضرة جلَّة المهاجرين، والسَّلف المقدَّمين، والأنصار والتابعين.
ولكن الناس كانوا على طبقاتٍ مختلفة، ومراتب متباينة: من قاتلٍ، ومن شادٍّ على عضده، ومن خاذلٍ عن نصرته. والعاجز ناصرٌ بإرادته، ومطيعٌ بحسن نَّيته. وإنَّما الشّكُّ منَّا فيه وفي خاذله، ومن أراد عزله والاستبدال به. فأمَّا قاتله والمعين على دمه والمريد لذلك منه، فضُلاَّلٌ لا شكَّ