قلنا: إنَّ عقل الرسول يدلُّ على مرسله، واعتدال القناة يدلُّ على حذق المثقف، ومديحك الوزير راجعٌ إلى وزيره والمحتذي على مثاله، بل قد علم الناس أنَّ الحظَّ الأكبر للآمر دون المطيع، وللمعلم دون القائل، ولأن المسبب في عداله وعند النظر والتحصيل، أفضل من المسبب، والمتبوع خير من التابع. ألا ترى أنَّ من مدح الأنصار فهو للنبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين أمدح، وإن لم يظهر ذكرهم في الوصف.
قال جرير: " تلكم قريش والأنصار أنصاري " وقال رؤبة: " ومن على المنبر لي والمنبر " وربما كانت الكناية أبلغ في التعظيم، وأدعى إلى التقديم، من الإفصاح والشرح. وربما أتى من السكوت بما يعجز القول عنه وقد بلغ أقصى حاجته وغاية أمنيته بالإيماء ة الإشارة، حتى يكون تكلُّف القول فضلاً، والكلام خطلا.
وما عيى أن أقول فيمن قد قوى عقله بطبيعته، وانتصف عزمه من شهوته، وكان عمله وفق علمه، وعمله غامراً لخصمه.