تقصيرا، وبذل النَّفس يسيرا. على حين خار كلُّ بطل، وحاد كل مُقْدم، وعرَّد كلُّ رئيس، وأضاف كلُّ مستبصر، وطاح كلُّ نفّاج، واستخفى كل مُراءٍ. وحتى صاروا هم الذين يُشيرون عليه بالملاينة، ويحسِّنون عنده المقاربة، ويخوِّفونه العاقبة، ويزعمون أنَّ لكلِّ زمانٍ تدبيراً ومصلحة، وأنَّ إبعادهم أتقر لطبائعهم، وإن إطلاقها أنجع فيما يراد منهم. وحتَّى سَّموا المداهنة مداراة، وإعطاء الرِّضا تقيّة، والشَّدَّة عند الفرصة خُرقا، والانحياز مع صواب الإقدام رفقا، وموالاة المخالف مخالفة، والمصافاة معاشرة، والمهانة حلما، والضَّعف في الدِّين احتمالا. كما سمَّى قومٌ الفرار انحيازا، والبُخْل اقتصادا، والجائر مستقصيا، والبلاء عارضا، والخطل بلاغة. فكذلك كانوا وكان. وعلى هذا افترق أمرهم؛ وذلك مشهور عنهم.
ثم يصُول أحدهم على منْ شتمه، ويسالم من شتم ربَّه، ويغضب على من شبَّه أباه بعبده، ولا يغضب على من شبَّه الله بخلقه، ويزعم أنَّ في أحاديث المشبَّهة تأويلاً ومجازاً ومخارج، وأنَّها حقٌّ وصدق. فإذا قيس...... طلب لهذا المجاز ظلم، وقال ما يليق بلفظ الحديث،