الرسائل للجاحظ (صفحة 266)

فقد بلغ الآن من جُرمي في مساواتك في خبز الخُشكار، وإيثاري الباقلَّي، والمعرفة بتقدير المدن وإجراء القُنى، أن أُنفى من جميع الأرض، وأن تجعل في دمي الجعائل؛ فإني قد هجرت الخُبز البتَّة إلى مواصلة التَّمر، ونزلت الوبر بدلاً من المدر.

دعنا الآن فإنك فارغ. إن الله يعلم - وكفى به عليماً، وكفى به شهيداً، وكفى به حفيظاً ووكيلاً، وكفى بجرأة من يعلِّمه ما لا يعلم جُرأةً وترُّضاً، وكفى بحاله عند الله بُعداً ومقتاً - لقد أردت أن أفديك بنفسي في بعض كتبي، وكنت عند نفسي في عداد الموتى وفي حيِّز الهلكى، فرأيت أنّ من الخيانة لك ومن اللؤم في معاملتك، أن أفديك بنفسي ميتة، وأن أُريك أنّي قد جُدت لك بأنفس عِلْق والعلق معدوم. ليس أنّ من فداك فقد جُعل فِداك، ولكنَّها نهايةٌ من نهايات التعظيم، ودليل من دلائل الاجتهاد. ومن أعلن الاجتهاد لك واستسرَّ خلاف ذلك فقد نافق وخان، وغشَّ وألام. وأخلقْ بمن أخلَّ بهذه ألا يرعى حقّاً، ولا يرجع إلى صحَّة ولا إلى حقيقة.

ثم أنت لا يشفيك منّي السمُّ المجْهز، ولا السمُّ الساري؛ فإنه أبعد غايةً في التطويل وأبلغ في التعذيب. لا ولا لعاب الأفاعي وداهية الدواهي، فإنه يُعجز الرُّقى ويفوت ذرع الأطباء. لا ولا نار الدُّنيا، بل لا يشفيك من نار الآخرة إلا الجحيم، ولا يشفيك من الجحيم إلا أن أُرى في سوائه وفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015