الرسائل للجاحظ (صفحة 185)

فإنه يعنى صاحب الفيل حين أتى ليهدم الكعبة. يقول: كنتم في عدد الرَّمل، فلم فررتمْ منه ولم يلقه أحدٌ منكم حتَّى أفضى إلى مكة، ومكة أمُّ القرى، ودار العرب، هي جزيرة العرب ومكة قريةٌ من قراها، ولكن لما كانت أقدمها قدما، وأعظمها خطراً، جُعلِت لها أمّاً. ولذلك قيل لفتح مكة: فتح الفتوح. وعلى مثل ذلك سميت فاتحة الكتاب: أمَّ الكتاب والعرب قد تجعل الشىء أمَّ ما لم يَلِدْ. من ذلك قولهم: ضربه على أمِّ رأسه، وكذلك أمّ الهاوية. والضَّيف يسمى ربّة منزله أمَّ مثواي.

وقال أعرابيٌّ وقد أصابته براغيثُ عند امرأةٍ كان نزل بها:

يا أمَّ مثواى عدِمت وجهك ... أنقذنى ربُّ العُلا من مصرك

ولذع بُرغوثٍ أراه مُهلكى ... أبيت ليلي دائب التحكّك

تحكّك الأجراب عند المبرك

وقد أبان الله تعالى مكة والبيت حين قال: " إن أوَّلَ بيتٍ وضع للناس لَلَّذِي بِبَكَّة مُباركاً وهدىً للعالمين ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015