قال بعض الحكماء: فضول النظر تدعو إلى فضل القول، وفضول الخواطر تبعث على اللهو والخطل.
ولو كان الرجل لا يتكلم إلا بما يعنيه، ولا يتكلف ما قد كُفيه، قل كلامه. ولو حكَّم العدل في أموره، وفيما بينه وبين خالقه، وبينه وبين إخوانه ومعامليه، لطاب عيشه وخفت مؤونته والمؤونة عليه؛ فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق مذاقاً أحلى من العدل، ولا أروح على القلوب من الإنصاف، ولا أمرَّ من الظلم، ولا أبشع من الجور.
وقال بعض المتقدمين: " إنما يعرف الظُّلم من حُكم به عليه ". ومن استعمل العدل دله على أن الناس يجدون من طعمه وطعم الظلم إذا فعله بهم مثل الذي يجد إذا ظُلم، فكره لهم ما لنفسه، فأنصف ولم يظلم.
ويتظالم الناس فيما بينهم بالشَّره والحرص المركَّب في أخلاقهم، فذلك احتاجوا إلى الحكَّام - وقد أطلق لهم تصريف أخلاقهم وأماناتهم - التي ردت إليهم بالأحكام فيها، ما جنايته عليهم أكثر مما يطالبهم به الخصوم.