وصار ما ينقله الناس بعضهم عن بعض ذريعة إلى قبول الإخبار عن الرسل، وسلماً إلى التصديق، وعوناً على الرضا بالتقليد.
ولولا حلاوة الإخبار والاستخبار عند الناس لما انتقلت الأخبار وحلت هذا المحل. ولكن الله عز وجل حببها إليهم لهذا السبب، كما جعل عشق النساء داعيةً للجماع، ولذة الجماع سبيلاً للنسل، والرقة على الولد عوناً على التربية والحضانة - وبهما كان النشوّ والنماء - وحب الطعام والشراب سبباً للغذاء، والغذاء سبباً للبقاء وعمارة الدنيا.
فعسر على الإنسان الكتمان لإيثار هذه الشهوة، والانقياد لهذه الطبيعة؛ وكانت مزاولة الجبال الراسيات عن قواعدها أسهل من مجاذبة الطباع. فاعتراه الكرب لكتمان السر، وغشيه لذلك سقم وكمد يحسُّ به في سويداء قلبه بمثل دبيب النمل، وحكة الجرب، ومثل لسع الدبر ووخز الأشافي، على قدر اختلاف مقادير الحلوم والرزانة والخفة. فإذا باح بسره فكأنه أنشط من عقال. ولذلك قيل: " الصدر إذا نفث برأ " مثلاً مضروباً لهذه الحال. وقيل: " ولا بدَّ من شكوى إذا لم يكن صبرُ ".