الرسائل للجاحظ (صفحة 1312)

وأنى نبلغ في صفة البطون، وإن أسهبنا، وكم عسى أن نحصي من معايب الظهور وإن اجتهدنا وبالغنا. ألا ترى أن حد الزاني ثمانون جلدة ما لم يكن محصناً، وحد اللوطي أن يحرق. وكلاهما فجور ورجاسة، وإثم ونجاسة. إلا أن أيسر المكروهين أحق بأن يميل إليه من ابتلي، وخير الشرين أحسن في الوصف من شر الشرين.

ولو أنا رأينا رجلاً في سوق من أسواق المسلمين يقبل امرأة فسألناه عن ذلك، فقال: امرأتي. وسألوها فقالت: زوجي لدرأنا عنهما الحد، لأن هذا حكم الإسلام. ولو رأيناه يقبل غلاماً لأدبناه وحبسناه؛ لأن الحكم في هذا غير الحكم في ذاك.

ألا ترى أنه ليس يمتنع في العقول والمعرفة أن يقبل الرجل في حب ما ملكت يمينه حتى يقبلها في الملا كما يقبلها في الخلا، يصدق ذلك حديث ابن عمر: " وقعت في يدي جارية يوم جلولاء كأن عنقها إبريق فضة فما صبرت حتى قبلتها والناس ينظرون ".

فصل منه

وقد رأيت منك أيها الرجل إفراطك في وصف فضيلة الظهور، وفي محل الريبة وقعت، لأنا روينا عن عمر أنه قال: " من أظهر لنا خيراً ظننا به خيراً، ومن أظهر لنا شراً ظننا به شراً ".

وإنما يصف فضل الظهر من كان مغرماً بحب الظهور، وإلى ركوبه صباً، وبالنوم عليه مستهتراً، وبالولوع بطلبه موكلا، ومن كان للحلال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015