فبادرت بكتابي هذا، منبها لك من سنة رقدتك، وداعياً إلى رشدك. فإنك تعلم - وإن كنت لي في مذهبي مخالفاً، وفي اعتقادي مبايناً - أن اجتماع المتباينين فيما يقع بصلاحهما أولى في حكم العقل، وطريق المعرفة منه فيما أبادهما، وعاد بالضرر في اختيارهما عليهما.
وأنا، وإن كنت كشفت لك قناع الخلاف، وأبديت مكنون الضمير بالمضادة، وجاهدتني بنصرة الرأي والعقيدة في حب الظهور، وتلفيق الفضائل لها، غير مستشعر لليأس من رجعتك، ولا شاك في لطائف حكمتك، وغوامض فطنتك.
وقد أعلم أن معك - بحمد الله - بصيرة المعتبرين، وتمييز الموفقين وأنك إذا أنعمت فكراً وبحثاً ونظراً، رجعت إلى أصل قوي الانقياد والموافقة، ولم تتورط في اللجاج فعل المعجبين، ولم يتداخلك غرة المنتحلين؛ فإنا رأينا قوماً انتحلوا الحكمة وليسوا من أهلها، بل هم أعلام الدعوى، وحلفاء الجهالة، وأتباع الخطأ، وشيع