الرسائل للجاحظ (صفحة 1300)

وربما كان الإيجاز محموداً، والإكثار مذموماً. وربما رأيت الإكثار أحمد من الإيجاز. ولكل مذهب ووجه عند العاقل. ولكل مكان مقال، ولكل كلام جواب. مع أن الإيجاز أسهل مراما وأيسر مطلباً من الإطناب، ومن قدر على الكثير كان على القليل أقدر.

والتقليل للتخفيف، والتطويل للتعريف، والتكرار للتوكيد، والإكثار للتشديد.

فصل منه

وأما المذموم من المقال، فما دعا إلى الملال، وجاوز المقدار، واشتمل على الإكثار، وخرج من مجرى العادة.

وكل شيء أفرط في طبعه، وتجاوز مقدار وسعه، عاد إلى ضد طباعه، فتحول البارد حاراً، ويصير النافع ضاراً، كالصندل البارد إن أفرط في حكه عاد حاراً مؤذياً، وكالثلج يطفىء قليله الحرارة، وكثيره يحركها.

وكذلك القرد لما فرط قبحه، وتناهت سماجته استملح واستظرف.

وإلى هذا ذهب من عد الإكثار عياً، والإيجاز بلاغة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015