الرسائل للجاحظ (صفحة 1294)

ومن العجب لقوم يعيبون البصرة لقرب البحر والبطيحة؛ ولو اجتهد أعلم الناس وأنطق الناس أن يجمع في كتاب واحد منافع هذه البطيحة، وهذه الأجمة، لما قدر عليها.

قال زياد: قصبة خير من نخلة.

وبحق أقول: لقد جهدت جهدي أن أجمع منافع القصب ومرافقه وأجناسه، وجميع تصرفه وما يجيء منه، فما قدرت عليه حتى قطعته وأنا معترف بالعجز، مستسلم له.

فأما بحرنا هذا فقد طم على كل بحر وأوفى عليه؛ لأن كل بحر في الأرض لم يجعل الله فيه من الخيرات شيئاً، إلا بحرنا هذا، الموصول ببحر الهند إلى ما لا تذكر.

وأنت تسمع بملوحة ماء البحر، وتستسقطه وتزري عليه. والبحر هو الذي يخلق الله تعالى منه الدر الذي بيعت الواحدة منه بخمسين ألف دينار؛ ويخلق في جوفه العنبر، وقد تعرفون قدر العنبر. فشيء يولد هذين الجوهرين كيف يحقر؟ ولو أنا أخذنا خصال هذه الأجمة وما عظمنا من شأنها، فقذفنا بها في زاوية من زوايا بحرنا هذا لضلت حتى لا نجد لها حسا، وهما لنا خالصان دونكم، وليس يصل إليكم منهما شيء إلا بسببنا وتعدينا فضل غنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015