الرسائل للجاحظ (صفحة 1274)

فصل منه

قالوا: وقد تعجب الناس من ثبات قريش، وجزالة عطاياهم، واحتمالهم المؤن الغلاظ في دوام كسبهم من التجارة، وقد علموا أن البخل والبصر في الطفيف مقرون في التجارة؛ وذلك خلق من أخلاقهم. وعلى ذلك شاهد أهل الترقيح والتكسب والتدنيق.

فكان في ثبات جودهم العالي على جود الأجواد، وهم قوم لا كسب لهم إلا من التجارة، عجب من العجب.

ثم جاء ما هو أعجب من هذا وأطم، وذلك أنا قد علمنا أن الروم قبل التدين بالنصرانية، كانت تنتصف من ملوك فارس، وكانت الحروب بينهم سجالاً، فلما صارت لا تدين بالقتل والقتال، والقود والقصاص، اعتراهم مثل ما يعتري الجبناء حتى صاروا يتكلفون القتال تكلفا. ولما خامرت طبائعهم تلك الديانة، وسرت في لحومهم ودمائهم فصارت تلك الديانة تعترض عليهم، خرجوا من حدود الغالبية إلى أن صاروا مغلوبين.

وإلى مثل ذلك صارت حال التغزغز من الترك. بعد أن كانوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015