أن يكون مبطلاً إذا كان لم ينظر في أمور الدنيا، ولم يختبر معانيها حتى يعرف الممتنع من الممكن، وما لا يزال يكون بالاتفاق مما لا يمكن ذلك فيه؟ وكيف ولم يعرف العادة وجرى الطبيعة وإلى أين تبلغ الحيلة وأين تعجز الحيلة، وعند أي ضرب يسقطان، وعلى أي ضرب يقومان؟ ولم عرف صدق النبي صلى الله عليه وسلم حين عاين شاهده وأبصر أعاجيبه، من غير امتحان لها وتعقب لمعانيها، دون أن يعتقد صدق المتنبي إذا أورد عليه أعاجيبه وخدعه وحيله؟ بل كيف لم يعرف الله حين وقع بصره على الدنيا من غير فكرة فيها وتقليب لأمرها.
والدنيا بأسرها دلالة عما عرف صدق النبي حين أبصر دلالته من غير تفكير فيها أو تقليب لأمرها.
وقد علمنا أن الدنيا دالة على أن شواهد النبي دالة، ومتى كان ظاهر أحدهما يغني عن التفكير كان الآخر مثله، إذ لم يكن في القياس بينهما فرق، ولا في المعقول فضل.
قلنا: إن تجارب البالغ قبل أن يهجم على دلالات الرسل تأتي على جميع ذلك. ولعمري أن لو كان هجومه عليها قبل المعرفة بمجاري وتصريف الدهور وعلاقات الدنيا، والتجربة لتصريف أمورها، لما