الرسائل للجاحظ (صفحة 1063)

عجبا، لأنه ليس بعجب أن يكون الناس لا يعلمون ما يكون قبل أن يكون، ومن أعجب العجب أن يوافق قولهم بعض ما يكون.

وقد نجد المنجمين يختلفون في القضية الواحدة، ويخطئون في أكثرها. وقد نجد الرسول يخبرهم عما يأكلون ويشربون ويدخرون ويضمرون، في الأمور الكثيرة المعاني، والمختلفة في الوجوه، حتى لا يخطىء في شيء من ذلك. وليس في الأرض منجم ذكر شيئاً أو وافق ضميراً إلا وأنت واجد بعض من يزجر قد يجيء بمثله وأكثر منه.

فإن قلت: إن الناس يكذبون في الإخبار عن الأعراب والكهان من كل جيل؟ قلنا: فهم في إخبارهم عن المنجمين أكذب.

وبعد، فالناس غير مستعظمين لكثرة كذب المنجمين وخطاياهم وخدعهم، والناس يستعظمون اليسير من المرسلين عليهم السلام. وكلما كان الرجل في عينك أعظم، وكان عن الكذب أزجر، كان كذبه عندك أعظم. وإنما المنجم عند العوام كالطبيب الذي إن قتل المريض علاجه كان عندهم أن القضاء هو الذي قتله، وإن برأ كان هو أبرأه. على أن صوابهم أكثر، ودليلهم أظهر.

وقد صار الناس لا يقتصرون للمنجمين على قدر ما يسمعون منهم، دون أن يولدوا لهم، ويضعوا الأعاجيب عن ألسنتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015