الرسائل للجاحظ (صفحة 1057)

فصل منه في أمر الأخبار

وإنما ذكرت هذا لتعلم أن الخبر قد يكون أصله ضعيفاً ثم يعود قوياً، ويكون أصله قوياً فيعود ضعيفاً، للذي يعتريه من الأسباب، ويحل به من الأعراض، من لدن مخرجه وفصوله، إلى أن يبلغ مدته، ومنتهى أجله، وغاية التدبير فيه، والمصلحة عليه.

فلما كان هذا مخوفاً، وكان غير مأمون على المتقادم منه وضع الله تعالى لنا على رأس كل فترة علامة، وعلى غاية كل مدة أمارة، ليعيد قوة الخبر، ويجدد ما قد هم بالدروس، بالأنبياء والمرسلين عليهم السلام أجمعين. لأن نوحاً عليه السلام هو الذي جدد الأخبار التي كانت في الدهر الذي بينه وبين آدم عليهما السلام، حتى منعها الخلل، وحماها النقصان بالشواهد الصادقة، والأمارات القائمة. وليس أن أخبارهم وحججهم قد كانت درست واختلت، بل حين همت بذلك وكادت. بعثه الله عز وجل بآياته لئلا تخلو الأرض من حججه، ولذلك سموا آخر الدهر الفترة. وبين الفترة والقطعة فرق. فاعرف ذلك.

ثم بعث الله جل وعز إبراهيم عليه السلام على رأس الفترة الثانية التي كانت بينه وبين دهر نوح، وإنما جعلها الله تعالى أطول فترة كانت في الأرض، لأن نوحاً كان لبث في قومه يحتج ويخبر، ويؤكد ويبين، ألف سنة إلا خمسين عاماً، ولأن آخر آياته كانت أعظم الآيات، وهي الطوفان، الذي أغرق الله تعالى به جميع أهل الأرض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015