وهو الذي خالف بين طبائعهم وأسبابهم، حتى لا يتفق على تخرص خبر واحد، لأن في اتفاق طبائعهم وأسبابهم في جهة الإخبار فساد أمورهم، وقلة فوائدهم واعتبارهم، وفي فساد أخبارهم فساد متاجرهم والعلم بما غاب عن أبصارهم، وبطلان المعرفة بأنبيائهم ورسلهم عليهم السلام، ووعدهم ووعيدهم، وأمرهم ونهيهم وزجرهم، ورغبتهم، وحدودهم، وقصاصهم الذي هو حياتهم، والذي يعدل طبائعهم، ويسوي أخلاقهم، ويقوي أسبابهم، والذي به يتمانعون من تواثب السباع، وقلة احتراس البهائم، وإضاعة الأعمار. وبه تكثر خواطرهم وتفكيرهم، وتحسن معرفتهم.
ولم نقل أن العدد الكثير لا يجتمعون على الخبر الباطل، كالتكذيب والتصديق، ونحن قد نجد اليهود والنصارى، والمجوس والزنادقة، والدهرية وعباد البددة يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم، وينكرون آياته وأعلامه، ويقولون: لم يأت بشيء، ولا بان بشيء. وإنما قلنا: إن العدد الكثير لا يتفقون على مثل إخبارهم أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، التهامي الأبطحي عليه السلام خرج بمكة، ودعا إلى كذا، وأمر بكذا، ونهى عن كذا، وأباح كذا،