وقد يكون الإنسان مسخراً لأمر، ومخيراً في آخر.
ولولا الأمر والنهي لجاز التسخير في دقيق الأمور وجليلها، وخفيها وظاهرها؛ لأن بني الإنسان إنما سخروا له إرادة العائدة إليهم، ولم يسخروا للمعصية، كما لم يسخروا للمفسدة.
وقد تستوي الأسباب في مواضع، وتتفاوت في مواضع. كل ذلك ليجمع الله تعالى لهم مصالح الدنيا، ومراشد الدين.
ألا ترى أن أمة قد اجتمعت على أن عيسى عليه السلام هو الله، وأمة قد اجتمعت على أنه ابن الله، وأمة اجتمعت على أن الآلهة ثلاثة، عيسى أحدها. ومنهم يتبدد، ومنهم من يتدهر، ومنهم من يتحول نسطورياً بعد أن كان يعقوبياً، ومنهم من أسلم بعد أن كان نصرانياً. ولست واجداً هذه الأمة مع اختلاف مذاهبها، وكثرة تنقلها، انتقلت مرة واختلفت مرة، متعمدة أو ناسية، في يوم واحد، فجعلته - وهو الجمعة - يوم السبت، ولم تخطب في يوم جمعة بخطبة يوم خميس، ولا غلطت في كانون الأول فجعلته كانون الآخر، ولا بين الصوم والإفطار؛ لأن الباب الأول في باب الإمكان