الرسائل للجاحظ (صفحة 1037)

والحق بعد قاهر له. ومع التلاقي يحدث التباهي، وفي المحافل يقل الخضوع، ويشتد النزوع.

ثم رجع الكلام إلى حاجة الناس إلى استماع الأخبار، والتفقه في تصحيح الآثار، فأقول: إن الناس لو استغنوا عن التكرير، وكفوا مئونة البحث والتنقير لقل اعتبارهم. ومن قل اعتباره قل علمه، ومن قل علمه قل فضله، ومن قل فضله كثر نقصه، ومن قل علمه وفضله وكثر نقصه لم يحمد على خير أتاه، ولم يذم على شر جناه، ولم يجد طعم العز، ولا سرور الظفر، ولا روح الرجاء، ولا برد اليقين، ولا راحة الأمن.

وكيف يشكر من لا يقصد، وكيف يلام من لا يتعمد، وكيف يقصد من لا يعلم. وما عسى أن يبلغ قدر سروره من لا يحسن من السرور إلا ما سر به حواسه ومسه جلده.

وكيف يأتي أربح الأفعال، وأبعد الشرين من ركب في شراسة السباع وغباوة البهائم، ثم لم يعط الآلة التي بها يستطيع التفرقة بين ما عليه وله، والعلم بمصالحه ومفاسده، فيقوى بها على عصيان طبائعه، ومخالفة شهواته، وبها يعرف عواقب الأمور، وما تأتي به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015