فإن أفرد أحدهما مثل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} 1، فهو توحيد الإلهية; وكذلك إذا أفرد توحيد الإلهية مثل قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} 2، وأمثال ذلك. فإن قرن بينهما، فسرت كل لفظة بأشهر معانيها، كالفقير والمسكين.
وأما ما ذكرت من أهل الجاهلية، كيف لم يعرفوا الإلهية إذا أقروا بالربوبية، هل هو كذا أو كذا أو غير ذلك؟ فهو لمجموع ما ذكرت وغيره. وأعجب من ذلك، ما رأيت وسمعت ممن يدعي أنه أعلم الناس، ويفسر القرآن ويشرح الحديث بمجلدات، ثم يشرح "البُردة" ويستحسنها، ويذكر في تفسيره وشرحه للحديث أنه شرك، ويموت ما عرف ما خرج من رأسه؛ هذا هو العجب العجاب، أعجب بكثير من ناس لا كتاب لهم، ولا يعرفون جنة ولا ناراً، ولا رسولاً ولا إلهاً.
وأما كون "لا إله إلا الله" تجمع الدين كله، وإخراج من قالها من النار إذا كان في قلبه أدنى مثقال ذرة، فلا إشكال في ذلك: وسر المسألة أن الإيمان يتجزأ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله؛ بل هذا مذهب الخوارج. فالذي يقول: الأعمال كلها من "لا إله إلا الله"، فقوله الحق. والذي يقول: يخرج من النار من قالها وفي قلبه من الإيمان مثقال ذرة، فقوله الحق. السبب مما ذكرت لك من التجزي؛ وبسبب الغفلة عن التجزي غلط أبو حنيفة وأصحابه في زعمهم أن الأعمال ليست من الإيمان. والسلام.