الكتب والتي خير منها لو تحدث في زمن عمر بن الخطاب لفعل بها وبأهلها أشد الفعل، ولو تحدث في زمن الشافعي وأحمد لاشتد نكيرهم لذلك، فليت شعري متى حرم الله هذا الواجب، وأوجب هذا المحرم؟
ولما حدث قليل من هذا، لا يشبه ما أنتم عليه في زمن الإمام، اشتد إنكاره لذلك، ولما بلغه عن بعض أصحابه أنه يروي عنه مسائل بخراسان، قال: أشهدكم أني قد رجعت عن ذلك، ولما رأى بعضهم يكتب كلامه، أنكر عليه وقال: تكتب رأياً لعلّي أرجع عنه غداً، اطلب العلم مثلما طلبناه. ولما سئل عن كتاب أبي ثور قال: كل كتاب ابتدع فهو بدعة. ومعلوم أن أبا ثور من كبار أهل العلم، وكان أحمد يثني عليه. وكان ينهى الناس عن النظر في كتب أهل العلم الذين يثنى عليهم ويعظمهم. ولما أخذ بعض أئمة الحديث كتب أبي حنيفة، هجره أحمد، وكتب إليه: إن تركت كتب أبي حنيفة، أتيناك تسمعنا كتب ابن المبارك. ولما ذكر له بعض أصحابه أن هذه الكتب فيها فائدة لمن لا يعرف الكتاب والسنة، قال: إن عرفتَ الحديث لم تحتج إليها، وإن لم تعرفه لم يحل لك النظر فيها. وقال: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1، قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك. ومعلوم أن الثوري عنده غاية، وكان يسميه: أمير المؤمنين.
فإذا كان هذا كلام أحمد في كتب نتمنى الآن أن نراها، فكيف بكتب قد أقر أهلها على أنفسهم أنهم ليسوا من أهل العلم، وشهد 2 على أنفسهم بذلك، ولعل بعضهم مات وهو لا يعرف ما دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وشبهتكم التي ألقيت في قلوبكمك أنكم لا تقدرون