إلى دليل آخر؛ والدليل عليه: أنه صرح في الإقناع أن النذر عبادة، ومعلوم أن لا إله إلا الله معناها: لا يعبد إلا الله، فإذا كان النذر عبادة وجعلتها لغيره، كيف لا يكون شركاً؟ وأيضاً، مسألة الوسائط تدل على ذلك، والناس يشهدون أن هؤلاء الناذرين يجعلونهم وسائط، وهم مقرون بذلك.
وأما استدلالك بقوله: من قال: انذروا لي، وأنه إذا رضي وسكت لا يكفر، فبأي دليل؟ غاية ما يقال: إنه سكت عن الآخذ الراضي. وعلم من دليل آخر، والدليل الآخر: أن الرضى بالكفر كفر، صرح به العلماء، وموالاة الكفار كفر، وغير ذلك. هذا إذا قدر أنهم لا يقولونه، فكيف وأنت وغيرك تشهد عليهم أنهم يقولون ويبالغون فيه؟ ويقصون على الناس الحكايات التي ترسخ الشرك في قلوبهم، ويبغض إليهم التوحيد، ويكفرون أهل العارض لما قالوا: لا يعبد إلا الله. وأما قولك: ما رأينا للترشيح معنى في كلام العلماء، فمن أنت حتى تعرف كلام العلماء؟
وأما الثانية: وهي أن الذي يجعل الوسائط هو الكافر، وأما المجعول فلا يكفر، فهذا كلام تلبيس وجهالة. ومن قال إن عيسى وعزيراً وعلي بن أبي طالب وزيد بن الخطاب وغيرهم من الصالحين، يلحقهم نقص بجعل المشركين إياهم وسائط؟ حاشا وكلا!: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 1، وإنما كفّرنا هؤلاء الطواغيت، أهل الخرج وغيرهم، بالأمور التي يفعلونها هم؛ منها: أنهم يجعلون آباءهم وأجدادهم وسائط. ومنها: أنهم يدعون الناس إلى الكفر. ومنها: أنهم يبغضون عند الناس دين محمد صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أن أهل العارض كفروا لما قالوا: لا يعبد إلا الله، وغير ذلك من أنواع الكفر.