...
-8- الرسالة الثلاثون
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الأخ فايز، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، مسألة الشرك بالله بيّنها الله سبحانه، وأكثر الكلام فيها، وضرب لها الأمثال; ومن أعظم ما ذكر فيها قوله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1، مع أن الذين طلبوا منه ليس شرك القلب. وأما كونك تعرفه مثل معرفة الفواحش، وتكرهه كما تكرهها، فهذا له سببان: أحدهما: اللجوء إلى الله، وكثرة الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم بحضور قلب. الثاني: الفكرة في المثل الذي ضربه الله في سورة الروم بقوله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ} 2 الآية. فإذا أمعنت النظر وتأملت، لو أن رجلاً يشرك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مسيلمة في الرسالة، أنها أكبر قبحاً من الفواحش، فكيف لو يشرك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين امرأة زانية؟ وأنت تعرف أن أهل بلد لو يصلون على شيخهم أو إمامهم كما يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، عد هذا من أعظم الفواحش بكثير. فإذا وازنت بين هذا وبين ما يفعله أكثر الناس اليوم من دعوة الله ودعوة أبي طالب أو الكواز، أو أخس الناس، أو شجرة أو حجر أو غير ذلك، تبين لك أن الأمر أعظم مما ذكرنا بكثير. لكن الذي غير القلوب، أن هذا تعودته وألفته، وتلك الأنواع لم تعودها القلوب، فلذلك تكرهها، لأن القلوب على الفطرة إلا أن تتغير إذا كبرت بالعادات. والسلام.