يجمع ويشترى به الأسرى من بلاد الفرنج، وذلك مستمر إلى هذا الوقت، وفي كل وقت يحضر بالأسارى فيلبسون ويطوفون ويدعون له، وسمعتهم مرارا يقولون: يا الله يارحيم أرحم القاضي الفاضل عبد الرحيم. وقال القاضي جمال الدين بن شيث: كان للقاضي الفاضل ريع عظيم يؤجره بمبلغ كبير فلما عزم على الحج ركب ومر به ووقف عليه. وقال: اللهم إنك تعلم أن هذا الخان ليس شيء أحب إلي منه، أو قال أعز علىّ منه، اللهم فاشهد أني وقفته على فكاك الأسرى من بلاد الفرنج1.

ديوان البريد:

من الترتيبات العسكرية العامة التي قررها السلطان صلاح الدين سنة 567 هـ= 1171 م استخدم البريد الحربي، نقلا عن مخدومه نور الدين، ورتب لذلك في كل ثغر رجالا، ومعهم حمام المدينة التي تجاورهم، فإذا رأوا أو سمعوا أمراً كتبوه لوقته وعلقوه على الطائر وسرحوه إلى المدينة التي هو منها في ساعته، فتنتقل الرقعة من الطائر إلى طائر آخر من البلد الذي يجاورهم، وهكذا إلى أن تصل الأخبار إليه2.

ويشرح القاضي الفاضل في إحدى رسائله ما كان يؤديه به الحمام من دور فعال في هذا الشأن. ومما قاله في هذه الرسالة: "سرحت لإنزال أجنحتها محملة البطائق أجنحة، وتجهيز جيوش القاصد والأقلام أسلحة، وتحمل من الأخبار ما تحمله الضمائر، وتطوي الأرض إذا نشرت الجناح الطائر، وتزوي به الأرض ما يبلغه ملك هذه الأمة، وتضرب من السماء حتى ترى ما لا يبلغه ولا همه وقد أخذت عهود الأمانة في رقابها أطواقا، وصارت خوافي من وراء الخوافي، وغطت سرحها المودع بكتمان سحبت عليه ذيول ريشها الضوافي، ترغم أنف النوى بتقريب العهود، وتكاد العيون بملاحظتها تلاحظ أنجم السعود، وهي أنبياء الطير لكثرة ما تأتي به من الأنباء، وخطباؤها لأنها تقوم على الأغصان مقام الخطباء"3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015