أرجو إقرارك جهرا وقد أبيته سرا، وكيف تجود به صحيحا مطمعا وقد بخلت به مريضا مؤيسا، وكيف يرجو خيرك من يراك تطاول أبا جعفر وتخاشنه وتنافره وتراهنه، ثم لا تفعل ذلك إلا في المحافل العظام وبحضرة كبار الحكام، ثم تستغرب ضحكا من طمعه فيك وتعجب الناس من مجاراته لك، وأشهد لك بعد هذا أنك ستخاشن عمرو بن بحر وتعاقله ثم تظارفه وتطاوله، وتغني مع مخارق وتنكر فضل زرزور، وتستجهل النظّام وتستبرد الأصمعي، وتستغبي قيس بن زهير، وتستخف الأحنف ابن قيس، وتبارز أبا الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ثم تخرج من حد الغلبة إلى حد المراء، ومن حد الأحياء إلى حدود الموتى! هذا وليس لك مساعد ولا معك شاهد واحد ولا رأيت أحدا يقف في الحكم عليك أو ينتظر تحقيق دعواك، ولا رأيت مبصّرا يخليك من التأنيب، ولا مؤنبا يخليك من الوعيد، ولا متوعدا يخليك من الإيقاع، ولا موقعا يرثي لك، ولا شافعا يشفع فيك.
يا عم لم تحملنا على الصدق، ولم تجر عنا مرارة الحق، ولم تعرضنا لأداء الواجب، ولم تستكثر من الشهود عليك، ولم تحمل الاخوان على خلاف محبتهم لك؟ إجعل بدل ما تجني على نفسك أن تجني على عدوك، وبدل ما تضطر الناس إلى أن يصدقوا فيك أن تضطرهم إلى أن يمسكوا عنك.
ولا بد يرحمك الله لمن فاته الطول من أن يلقي بيده أو من أن يقول بخلاف ما يجد في نفسه. فو الله إنك لجيد الهامة، وفي ذلك خلف من حسن القامة، وإنك لحسن الحظ، وفي ذلك عوض من حسن اللفظ، وإنك لقليل الشيب قليل البول، وإنك لتجد مقالا، وإنك لتعد خصالا. فقل معروفا فإنا من أعوانك، وأقتصد فإنا من أنصارك، وهات فانك لو أسرفت لقلنا قد اقتصدت، ولو جرت لقلنا قد اهتديت. ولكنك تجيء بشيء: تَكادُ