الأحدوثة، والصنيعة المشكورة، وأن هذه الأمور هي خصائصك التي بها تكلف، ومعانيك التي بها تلهج، وإنما يحسد أبقاك الله المرء شقيقه في النسب، وشفيعه في الصناعة، ونظيره في الجوار، على طارف قدره أو تالد حظه، أو على كرم في أصل تركيبه ومجاري أعراقه وأنت تزعم أن هذه المعاني خالصة لك مقصورة عليك، وأنها لا تليق إلا بك ولا تحسن إلا فيك، وأن لك الكل وللناس البعض، وأن لك الصافي ولهم المشوب. هذا سوى الغريب الذي لا نعرفه، والبديع الذي لا نبلغه. فما هذا الغيظ الذي أنضجك، وما هذا الحسد الذي أكمدك، وما هذا الإطراق الذي قد اعتراك، وما هذا الهم الذي قد أضناك؟ وهل رأيت أخسر صفقة ولا أوهن قوة ممن يجري العتاق مع الكوادن، والروائع مع الحواسر، وممن حاكم من يسالمه، وجاذب من يقلده؟ وهل رأيت مكينا يقلق ومصنوعا له يسخط، وهل زدت على أن أطمعت في نفسك ومكنت للشبهة في أمرك، وأنشأت للخامل ذكرا وللوضيع قدرا؟ إنك لا تعرف الأمور ما لم تعرف أشباهها، ولا عواقبها ما لم تعرف أقدارها ولن يعرف الحق من يجهل الباطل، ولا يعرف الخطأ من يجهل الصواب، ولا يعرف الموارد من يجهل المصادر! فانظر لم تسالمت النفوس مع تفاوت منازلها، ولم تجاذبت عند تقارب مراتبها، ولم اختلف الكثير واتفق القليل، ولم كانت الكثرة علة للتخاذل والقلة سببا للتناصر. وما فرق ما بين المجاراة والتحاسد وبين المنافسة والتغالب؟ فإنك متى عرفت ذلك استرحت منا ورجونا أن نستريح منك، وكيف يعرف السبب من يجهل المسبب، وكيف يعرف الوصل من يجهل الفصل وكيف يعرف الحدود من لم يسمع الفصول، وكيف يعرف الحجة من الشبهة والعذر من الحيلة والواجب من الممكن والغفل من الموسوم والمعقول من الموهوم، والمحال من الصحيح والأسرار المجهولة من ذوات الدلائل الخفية، وما يعلم ما لا يعلم وما يعلم باللفظ دون الإشارة مما لا يعلم إلا بالاشارة دون اللفظ، وما يعلم معتقدا مما لا يعلم مكينا وما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015