اللغو الداعي إلى السهو، وما في المعاندة من الاثم الداعي إلى النار، وما في المجاذبة من النكد، وما في المغالبة من فقدان الصواب. وكان قليل السماع غمرا وصحفيا غفلا لا ينطق عن فكر ويثق بأول خاطر ولا يفصل بين اعتزام الغمر واستبصار المحق. يعد أسماء الكتب ولا يفهم معانيها، ويحسد العلماء من غير أن يتعلق منهم بسبب، وليس في يده من جميع الآداب إلا الإنتحال لاسم الأدب.
فلما طال اصطبارنا حتى بلغ المجهود منا، وكدنا نعتاد مذهبه ونألف سبيله، رأيت أن أكشف قناعه، وأبدي صفحته للحاضر والبادي وسكان كل ثغر وكل مصر، بأن أسأله عن مائة مسألة أهزأ فيها وأعرف الناس مقدار جهله، وليسأله عنها كل من كان في مكة ليكفوا عنا من غربه، وليردوه بذلك إلى ما هو أولى به. كأنه لم يسمع بقول النبي صلى الله عليه وسلم في السائب بن صيفي: «هذا شريكي الذي لا يشاري ولا يماري» . ولا بقول عثمان: إذا كان لك صديق فلا تماره ولا تشاره، ولا بقول ابن أبي ليلى: لا أماري أخي إما أن أكذبه وإما أن أغضبه. ولا بقول ابن عمر: لا يصيب الرجل حقيقة الايمان حتى يترك المراء وهو محق. وكأنه لم يسمع بقول الشاعر:
خلافا علينا من فيالة رأيه ... كما قيل قبل اليوم خالف فتذكرا
ولم يسمع بقول الأول: رآه معدّا للخلاف. ألبيت. ولا بقول الآخر:
لنا حاجب مولع بالخلاف ... كثير المراء قليل الصّواب
ألجّ لجاجا من الخنفساء ... وأزهى إذا ما مشى من غراب
وقالوا: فلان أخلف من بول الجمل. ولذلك قال الشاعر:
واخلف من بول البعير فإنّه ... إذا قيل للاقبال أقبل أدبرا