وقد بلغني عن أبي عثمان هذا المجهول موضعه، المغمور نسبه، أنه قال: ما راكب الأسد الأسود، والبحر الأخضر، والمصبور على السّيف الحسام، بأحقّ بجهد البلاء وشماتة الأعداء، ممّن تعرّض للمتصفّحين، وتحكّك بالعيّابين، وحكّم في عرض الحسدة المغتابين.

فإن سلم فبحسن النيّة، ولأنه مدح كريما، ووصف حليما. والكريم صفوح، والحليم متغافل. وإن ابتلي فبذنب، وما عفا الله عنه أكبر.

وقال: اللهمّ اجعل هذا القول حسنا في عينه، خفيفا على سمعه، وألهمه حسن الظنّ به، وبسط العذر له، إنّك سميع الدعاء، رحيم بالضعفاء.

[3- وصف جال الجاحظ]

والقصيدة هي قوله:

أقام بدار الخفض راض بحظّه ... وذو الحرص بسري حين لا أحد يسري

يظنّ الرّضا بالقسم شيئا مهوّنا ... ودون الرضا كأس أمرّ من الصّبر

جزعت فلم أعتب فلو كنت ذا حجا ... لقنّعت نفسي بالقليل من الوفر

أظنّ غبيّ القوم أرغد عيشة ... وأجذل في حال اليسارة والعسر

تمرّ به الأحداث ترعد مرّة ... وتبرق أخرى بالخطوب وما يدري

سواء على الأيام صاحب حنكة ... وآخر كاب لا يريش ولا يبري

فلو شاء ربّي لم أكن ذا حفيظة ... طلوبا لغايات المكارم والفخر

خضعت لبعض القوم أرجو نواله ... وقد كنت لا أعطي الدنيّة بالقسر

فلمّا رأيت المرء يبذل بشره ... ويجعل حسن البشر واقية التّبر

ربعت على ظلعي وراجعت منزلي ... فصرت حليفا للدراسة والفكر

وشاورت إخواني فقال حكيمهم ... عليك الفتى المرّيّ ذا الخلق الغمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015