فهل ترى- أبقاك الله- أنّه وجب لصاحب العشر ذلك وفضل به على صاحبه إلّا عند استعماله بالنّطق به لسانه. ولم يلزم الصّمت أحد إلّا على حسب وقوع الجهل عليه. فأمّا إذا كان الرّجل نبيها مميّزا، عالما مفوّها فالصّمت مهجّن لعلمه وسائر لفضله. كالقدّاحة لم يستبن نفعها دون تزنيدها.

ولذلك قيل: «من جهل علما عاداه» .

[8- فضيلة الخطباء قائمة على بيانهم]

فصل منها: ولم أجد الصّامت مستعانا به في شيء من المعاني، ولا مذكورا في المحافل.

ولم يذكر الخطباء ولا قدّمتهم الوفود عند الخلفاء إلّا لما عرفوه من فضل لسانهم وفضيلة بيانهم. وإنّ أصحّ ما يوجد في المعقول، وأوضح ما يعدّ في المحصول للعرب من الفضل، فصاحتها وحسن منطقها، بعد فضائلها المذكورة، وأيّامها المشهورة.

[9- انزل الله القرآن بلسان عربي مبين]

ولفضل الفصاحة وحسن البيان بعث الله تعالى أفضل أنبيائه وأكرم رسله من العرب، وجعل لسانه عربيّا، وأنزل عليه قرآنه عربيّا، كما قال الله تعالى: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ

. فلم يخصّ اللسان بالبيان، ولم يحمد بالبرهان إلّا عند وجود الفضل في الكلام، وحسن العبارة عند المنطق، وحلاوة اللّفظ عند السّمع.

[10- النبي افصح العرب]

واعلم أنّ الله تعالى لم يرسل رسولا ولا بعث نبيّا إلّا من كان فضله في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015