وما تقول في المعتّق من أنبذة التّمر، فإنّك تنظر إليه وكأنّ النّيران تلمع من جوفه. قد ركد ركود الزلال حتّى لكأنّ شاربه يكرع في شهاب، ولكأنه فرند في وجه سيف. وله صفيحة مرآة مجلوّة تحكي الوجوه في الزّجاجة، حتّى يهم فيها الجلّاس؟! وما تقول في نبيذ الجزر، الذي منه تمتدّ النّطفة وتشتدّ النّقطة، يجلب الأحلام، ويركد في مخّ العظام؟! وما تقول في نبيذ الكشمش الذي لونه لون زمرّدة خضراء صافية، محكم الصّلابة، مفرط الحرارة، حديد السّورة، سريع الإفاقة عظيم المؤونة، قصير العمر، كثير العلل، جمّ البدوات تطمع الآفات فيه، وتسرع إليه؟! وما تقول في نبيذ التّين فإنّك تعلم أنّه مع حرارته ليّن العريكة، سلس الطّبيعة، عذب المذاق، سريع الإطلاق، مرهم للعروق، نضوح للكبد فتّاح للسّدد، غسّال للأمعاء، هيّاج للباه، أخّاذ للثّمن، جلّاب للمؤن، مع كسوف لون وقبح منظر؟! وما تقول في نبيذ السكّر الذي ليس مقدار المنفعة به على قدر المؤونة فيه، هل يوجد في المحصول لشربه معنى معقول؟! وما تقول في المروّق والغربيّ والفضيح؟ ألذّ مشروبات في أزمانها وانفع مأخوذات في إبّانها. أقلّ شيء مؤونة، وأحسنه معونة، وأكثر شيء قنوعا، وأسرعه بلوغا، ضموزات عروفات للرجل ألوفات. ولها أراييح على الشاهسفرم كأذكى رائحة تشمّ، أقلّ المشروبات صداعا، وأشدّهن خداعا.
فصل منه: وكرهت أيضا تقليد المختلف من الآثار فأكون كحاطب ليل، دون التأمّل والاعتبار بأنّ ظلام الشّكّ لا يجلوه إلّا مفتاح اليقين.