أو يتركه معاندة له. وقد علم النّاس أنّ من تركه جهلا به أصغر إثما ممن تركه عمدا.
ولعمري إنّ العلم لطوع يديك، والمتصرّف مع خواطرك، والمستملي من بديهتك، كما يستملي من ثمرة فكرك، والمحصّل من رويّتك. ولكنّ الرأي لك أن لا تثق بما يرسمه العلم في الخلاء، وتتوقّاه في الملاء.
اعلم أنّك متى تفرّدت بعلمك استرسلت إليه. ومتى ائتمنت على نفسك نواجم خواطرك، فقد أمكنت العدوّ من ربقة عنقك. وبنية الطّبائع وتركيب النفوس، والذي جرت عليه العادة، إهمال النّفس في الحلا، واعتقالها في الملا.
فتوقّف عند العادة، واتّهم النّفس عند الاسترسال والثّقة. قال ابن هرمة:
إنّ الحديث تغرّ القوم خلوته ... حتّى يكون له عيّ وإكثار
وبئس الشيء العجب، وحسن الظّنّ بالبديهة! واعلم أنّ هذه الحال التي ارتضيتها لشأنك هي أمنيّة العدوّ، ونهزة الخصم، ومتى أبرزت كتابك على هذه الصّورة وأفرغته هذا الإفراغ، ثم سبكته هذا السّبك، فليس بعدوّك حاجة إلى التكذيب عليك، وقول الزّور فيك، لأنّك قد مكّنته من عرضك، وحكّمته في نفسك.
وبعد، فمن يعجز عن عيب كتاب لم يحرس بالتثبّت، ولم يحصّن بالتصفّح، ولم يغبّ بالمعاودة والنّظر، ولم يقلّب فيه الطّرف من جهة الإشفاق والحذر. فكيف يوفّق الله الواثق بنفسه، والمستبدّ برأيه لأدب ربّه، ولما وصّى به نبيّه صلّى الله عليه وسلم [حين قال لرجل خاصم عنده رجلا فقال في بعض كلامه: حسبي الله! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم] : «أبل الله