ولم نقصد في وصف من وصفنا من الطبقات التي صنّفنا منهم، إلّا لمن أدركنا من أهل زماننا ممّن حصل بمدينة السلام، إذ من خرج عنها ونزع إلى الفتوّة بعد التّوبة، وإلى أخلاق الحداثة بعد الحنكة، وذلك في سنة خمس عشرة ومائتين. فرحم الله امرأ أحسن في ذلك أمرنا، وحذا فيه حذونا، ولم يعجل إلى ذمّنا، ودعا بالمغفرة والرحمة لنا.
وقد تركنا في كلّ باب من الأبواب التي صنّفنا في كتابنا، فرجا لزيادة إن زادت، ولاحقة إن لحقت، أو نابتة إن نبتت. ومن عسى أن ينتقل به الحذق من مرتبته إلى ما هو أعلى منها، أو يعجز به القصور عمّا هو عليه منها إلى ما هو دونها، إلى مكانه الذي إليه نقله ارتفاع درجة أو انحطاطها، ومن لعلّنا نصير إلى ذكره ممن عزب عنّا ذكره، وأنسينا اسمه، ولم يحط علمنا به، فنصيّره في موضعه، ونلحقه بأصحابه.
وليس لأحد أن يثبت شيئا من هذه الأصناف إلّا بعلمنا، ولا يستبدّ بأمر فيه دوننا. ويورد ذلك علينا فنمتحنه، ونعرّفه بما عنده، ويصير إلى ترتيبه في المرتبة التي يستحقّها، والطّبقة التي يحتملها.
فلما استتبّ لنا الفراغ مما أردنا من ذلك خطر ببالنا كثرة العيّابين من الجهّال بربّ العالمين، فلم نأمن أن يسرعوا بسفه رأيهم وخفّة أحلامهم إلى نقض كتابنا وتبديله، وتحريفه عن مواضعه، وإزالته عن أماكنه التي عليها رسمنا، وأن يقول كلّ امرىء منهم في ذلك على حاله، وبقدر هواه ورأيه،