فصل منه: قد قرأت كتابك وفهمته، وتتبّعت كلّ ما فيه واستقصيته، فوجدت الذي ترجع إليه بعد التّطويل، وتقف عنده بعد التّحصيل، قد سلف القول منّا في عيبه، وشاع الخبر عنّا في ذمّه، وفي النّصب لأهله، والمباينة لأصحابه، وفي العجّب منهم، وإظهار النّفي عنهم.
والجملة أنّ فرط العجب إذا قارن كثرة الجهل، والتّعرّض للعيب إذا وافق قلّة الاكتراث، بطلت المزاجر، وماتت الخواطر. ومتى تفاقم الداء وتفاوت العلاج، صار الوعيد لغوا مطّرحا، والعقاب حكما مستعملا.
وقد أصبح شيخك، وليس يملك من عقابهم إلّا التوقيف، ولا من تأديبهم إلّا التعريف.
ولو ملكناهم ملك السّلطان، وقهرناهم قهر الولاة، لنهكناهم عقوبة بالضّرب، ولقمعناهم بالحصر.
والكبر- أعزّك الله تعالى- باب لا يعدّ احتماله حلما، ولا الصّبر على أهله حزما، ولا ترك عقابهم عفوا، ولا الفضل عليهم مجدا، ولا التّغافل