بمشيئته، وقدرته، أو لم يزل فعالا لما يشاء، نحو ذلك مما يقتضي كونه فاعلها، كان هذا النوع قديما، وما وجب قدمه، امتنع عدمه، وذلك يقتضي امتناع انقضاء فعل الرب، نقيض قول الجهم، فإن عنده يجب انقضاء فعله وانقطاعه، ويمتنع عنده دوامه أبدا كما امتنع دوامه أزلا، ويجب عنده أن يكون لم يزل غير فاعل في الماضي، ولا في الأبد إذا فنيت الجنة والنار.
وحقيقة قوله: أنه لم يزل غير قادر، ثم صار قادرا، ثم يصير غير قادر وهو يقول: ما كان له بداية، وجب أن يكون له نهاية.
فأما إذا قدر أن الرب لم يزل قادرا على الفعل، والكلام بمشيئته، وأنه لم يزل متكلما إذا شاء فعالا لما يشاء، فهنا وجب وجود ما لا ابتداء له، ولا نهاية لابتدائه، فإذا قدر انتهاء هذا النوع كان باطلا، فإذا قيل: إن الحوادث انتهت إلى الطوفان أو الهجرة.
فإن قيل: يقدر (?) الرب ما بقي بفعل شيئا، فهذا تقدير خلاف الواقع، بل هو ممتنع. وإن قيل: يقدر (?) فضلا في الذهن بين ما مضى وبين ما يستقبل، فهذا التقدير الذهني لا يغير الحقائق، بل الفعل الدائم في نفسه، ثم إذا قدر هذا في الذهن، فقد قدرت الحوادث الماضية انتهت إلى هذا الحد.
وإذا انتهت قبلت الزيادة والنقصان، فإن ما ينتهي من الحوادث يقبل الزيادة والنقصان، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع (?) ، ولكن نبهنا هنا على أصل قول الجهم الذي أوجب له أن يقول بفناء الجنة والنار، حتى أنكر ذلك