الظاهر ولا معهم أن النفس قد ترى غيرهما ما هو من أحوالها مثل أن ترى عند الموت أمورا موجودة لم تكن تراها وهي متعلقة بالبدن وكذلك النائم وإن كان قد يتخيل فليس معهم علم بأن كل ما يراه يكون تخيلا مع إمكان أن يرى في منامه من جنس ما يراه الميت عند مفارقة روحه بدنه فان النفس الناطقة هي الرائية وإنما يمنعها من ذلك تعلقها بالبدن فإذا تم تجردها بالموت رأت ما لم تكن تراه كما قال تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} وقال تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} قال المفسرون: يعنى الملائكة وكذلك بالنوم قد يحصل لها نوع تجريد ولهذا من الناس من يرى في منامه شيئا فيأتي كما يراه من غير تغيير أصلا بل يكون المرئي في المنام هو الموجود في اليقظة.

وأما رؤية كثير من الناس للجن حال الصرع وغير الصرع فهذا أكثر وأشهر من أن يذكر وما يدعيه الأطباء من أن الصرع كله من الأخلاط فغلطه ظاهر فان دخول الجني بدن الإنسي وتكلمه على لسانه بأنواع من الكلام وغير ذلك أمر قد علمه كثير من الناس بالضرورة وقد اتفق عليه أئمة الإسلام كما اتفقوا على وجود الجن وقد رآهم غير واحد من الناس وخاطبوهم فهذا باب واسع فما الظن بالملائكة الكرام التي يراهم الأنبياء صلوات الله عليهم يرونهم بباطنهم وظاهرهم.

وأيضا فقد تواتر في الكتب الإلهية والأحاديث النبوية أن الملائكة تتصور بصورة البشر وكذلك الجن ويرون في تلك الصورة كما أخبر الله عن ضيف إبراهيم في غير موضع من كتابه وكما اخبر عن مريم أنه أرسل إليها الروح وهو جبريل: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} .

وجميع هذه الأمور ليس معهم على نفيها إلا ما هو من أضعف الشبه فنفيهم مثل هذه الحسيات الباطنة والظاهرة قول بلا علم ولهذا صاروا يحملون ما جاءت به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015