الملائم والغضب لدفع المنافي فجعلوا الحكمة الخلقية مبناها على ذلك فقالوا ينبغي تهذيب الشهوة والغضب لكون كل منهما بين الإفراط والتفريط وهذا يسمى عفة وهذا يسمى شجاعة والتعديل بينهما عدلا وهذه الثلث تطلب لتكميل النفس بالحكمة النظرية العلمية فصار الكمال عندهم هذه الأمور العفة والشجاعة والعدل والعلم.

وقد تكلم في هذا طوائف من الداخلين في الإسلام واستشهدوا على ذلك بما وجدوه في القران والحديث وكلام السلف في مدح هذه الأمور والذين صنفوا في الأخلاق والأعمال على طريق هؤلاء مثل كتاب موازين الأعمال لأبي حامد ومثل أصحاب رسائل إخوان الصفا ومثل كتب محمد بن يوسف العامري وغيره يبنون كلامهم على هذا الأصل.

لكن غلطوا فان مراد الله ورسوله بالعلم الذي يمدحه ليس هو العلم النظري الذي هو عند فلاسفة اليونان بل الحكمة: "اسم يجمع العلم والعمل به في كل امة" قال ابن قتيبة وغيره: "الحكمة عند العرب العلم والعمل به" وسئل مالك عن الحكمة؟ فقال: "هو معرفة الدين والعمل به" وكل امة لها حكمة بحسب علمها ودينها فالهند لهم حكمة مع أنهم مشركون كفار والعرب قبل الإسلام كانت لهم حكمة وكان فيهم حكماء العرب مع كونهم مشركين يعبدون الأوثان فكذلك اليونان لهم حكمة كحكمتهم.

وحكماء كل طائفة هم أفضل تلك الطائفة علما وعملا لكن لا يلزم من ذلك أن يكونوا ممدوحين عند الله وعند رسوله فان الممدوح عند الله وعند رسوله لا يكون قط إلا من المؤمنين المسلمين الذين امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وعبدوا الله وحده لم يشركوا به شيئا ولم يكذبوا نبيا من أنبيائه ولا كتابا من كتبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015