وقد بين الله أن الأعمال السيئة القبيحة باطلة في مثل قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} فهذا الثاني مثل ما يصدر عن الجهل البسيط والأول الجهل المركب وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} فهذا مثل إبطال العمل بالمن والأذى وبالرياء والكفر والمقصود أنها لم تبق نافعة بخلاف العمل الحق المحمود فانه نافع ومنه قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} .
وبالجملة فما ذكروه تصريح منهم بأن العقل يميز بين الجميل والقبيح وأن العاقل يلتذ بالجميل ويتألم بالقبيح وأن الجميل كمال وخير للقوة العاقلة من حيث هي كذلك وهذا مناقض لقولهم أن العقل بمجرده لا يقضى في أمثال هذا بشيء لا بحسن ولا بقبيح وهكذا تناقضوا في نفس الوهميات كما سنذكره إن شاء الله وسبب ذلك أنهم تارة يقولون بموجب الفطرة فيكون كلامهم صحيحا وتارة يقولون بمقتضى الفطرة الفاسدة التي قد فسدت بالاعتقادات الفاسدة فيقولون باطلا.
كون الوجود كله مبنيا على الحق والعدل:
وهذه القضايا التي اتفقت الأمم عليها مثل حسن الصدق والعدل وقبح الكذب والظلم داخلة في مسمى الحق كما تقدم في كلام الله ورسوله وكذلك كلام العقلاء قاطبة يسمون هذا كله حقا ويقولون لصاحب الدين: "له عليه حق"