أن الصفة القائمة بالموصوف والعرض القائم بالجوهر لا يعقل تقدمه عليه بوجه من الوجوه بل إذا اعتبر تقدم عقلي أو غيره فالذات متقدمة على الصفات.

وأما في التصور فالتصور مراتب متعددة يكون مجملا ومفصلا فالإنسان قد يخطر له الإنسان ولا يستحضر شيئا من صفاته فهذا تصوره تصورا مجملا وقد يخطر له مع ذلك أنه ناطق كما قد يخطر له مع ذلك أنه ضاحك وإذا تصور الحيوان قد يخطر له أنه حساس كما قد يخطر له أنه متحرك بالإرادة وكما يخطر له أنه متألم أو متلذذ وانه يحب ويبغض وإذا تصور أن الإنسان حيوان ناطق ولم يتصور الحيوان مفصلا لم يكن قد تصور الإنسان مفصلا فما من صفة لازمة إلا ويمكن وجودها في التصور المفصل وحذفها في التصور المجمل.

وحينئذ فقول القائل: "أن الذاتي ما لا يتصور الموصوف إلا بعد تصوره" إن ادعاه في كل تصور فهذا باطل وهو ممن يسلم بطلانه فانه يقول: "قولك عن الإنسان أنه حيوان ناطق حمد تام يفيد تصور حقيقته" ومع هذا لم يتصور الذاتيات مفصلة فانه لم يستحضر في ذهنه أن الحيوان هو الجسم الحساس النامي المتحرك بالإرادة فثبت أنهم يجعلونه متصور الحقيقة بدون استحضار الذاتيات على وجه التفصيل فلا يجب في كل ذاتي أن يتقدم تصوره المفصل.

وأما التصور المجمل فلا يجب فيه استحضار شيء من الصفات وتصور الإنسان مجملا كتصور الحيوان مجملا ومعلوم أن الموصوف يشاركه غيره في صفات ويفارقه في صفات فإذا لم يجب ذكر جميع الصفات المشتركة على وجه التفصيل فدعوى الاكتفاء ببعضها دون بعض تحكم محض وإذا كانت حقيقة الإنسان عندهم متصورة بدون تصور الصفات الذاتية المشتركة على وجه التفصيل علم أن ما ذكروه من أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015