هو الذي يكون حكمه على موضوعه في الوجودين حملا أولا لا ثانيا أي لا يكون حمله بتوسط فان المحمول على غيره بتوسط شيء آخر كان بعد حمل ذلك الشيء فلا يكون حمله عليه أولا بل ثانيا.

وهذا إنما يظهر إذا لم يكن للعقل في ذلك الحكم موجب آخر إلا مجرد حضور طرفي الموضوع والمحمول أما إذا كان هناك أسباب أخر من الرقة أو الأنفة أو الحمية أو العادة أو الحمد على النظام الكلى والمصلحة العامة فحينئذ لا يعرف أن الموجب لحكم العقل بذلك هو نفس حضور طرفي الموضوع والمحمول أو ذلك لأسباب أخر.

فإذا أردت أن تمتحن ذلك فعليك أن تقدر نفسك كأنك خلقت في هذه الحال ولا تلتفت إلى مقتضيات العادات وأحكام سائر القوى من الرأفة والرقة وتجرد عما تعودته والفتة من القضايا المصلحية ثم تعرض على نفسك طرفي الموضوع والمحمول فان كان نفس حضورهما يوجب حكم العقل بتلك النسبة كانت القضية أولية وإلا كانت مشهورة وهو مثل قولنا الكذب قبيح فان السبب في شهرته تعلق المصلحة العامة به وقولنا الإيلام قبيح والسبب فيه الرقة والدليل على أن ذلك ليس من الأوليات انا عند الفرض المذكور إذا عرضنا على العقل أن الشيء لا يخلو عن النفي والإثبات وعرضنا عليه أن الكذب قبيح وجدنا العقل جازما بالأول متوقفا في الثاني فعرفنا أن ذلك ليس من المحولات الأولية.

ثم أن المشهور قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا فالصادق قد يكون أوليا وقد لا يكون بل يحتاج في إثباته إلى البرهان فان كل أولى لا بد أن يكون مشهورا لكن لا ينعكس فان السبب في الشهرة أما كونه أوليا أو تعلق النظام به أو الانفعالات النفسانية كما ذكرنا أو الاستقراء العام فان لكل مذهب أمورا مشهورة عندهم ربما لا تكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015