بعض وصوته فهذا لا يشترك بنو آدم في عينه بل كل قوم يسمعون ما لم يسمع غيرهم وكذلك أكثر المرئيات فانه ما من شخص ولا أهل درب ولا مدينة ولا إقليم إلا ويرون من المرئيات ما لا يراه غيره وأما الشم والذوق واللمس فهذا لا يشترك جميع الناس في شيء معين فيه بل الذي يشمونه هؤلاء ويذوقونه ويلمسونه ليس هو الذي يشمه ويذوقه ويلمسه هؤلاء لكن قد يتفقان في الجنس لا في العين كما يتفقون في شرب جنس الماء ومس جنس النساء.
وكذلك ما يعلم بالتواتر والتجربة والحدس فانه قد يتواتر عند هؤلاء ويجرب هؤلاء ما لم يتواتر عند غيرهم ولم يجربوه ولكن قد يتفقان في الجنس كما يجرب قوم بعض الأدوية ويجرب الآخرون جنس تلك الأدوية فيتفق في معرفة الجنس لا في معرفة عين المجرب.
ثم هم مع هذا يقولون في المنطق أن المتواترات والمجربات والحدسيات تختص بمن علمها فلا يقوم منها برهان على غيره فيقال لهم وكذلك المشمومات والمذوقات والملموسات بل اشتراك الناس في المتواترات أكثر فان الخبر المتواتر ينقله عدد كثير فيكثر السامعون له ويشتركون في سماعه من العدد الكثير لا سيما إذا كان العدد الكثير مئين وألوفا فبطائفة من هؤلاء يحصل العلم المتواتر فإذا نقل هؤلاء لقوم وهؤلاء لقوم وهؤلاء لقوم حصل العلم المتواتر لأمم لا يحصى عددهم إلا الله بخلاف ما يدرك بالحواس فانه يختص بمن أحسه فإذا قال رأيت أو سمعت أو ذقت أو لمست أو شممت فكيف يمكنه أن يقيم من هذا برهانا على غيره ولو قدر أنه شاركه في تلك الحسيات عدد فلا يلزم من ذلك أن يكون غيرهم أحسها ولا يمكن علمها لمن لم يحسها إلا بطريق الخبر فإذا ادعوا أن الخبر المتواتر مختص بالحسيات فلا يقوم به البرهان على المنازع فالحسيات أعظم اختصاصا فيلزم أن لا يقوم بها برهان على المنازع وليس في الحسيات أكثر اشتراكا