قدرا من النقدين ثم وزنت بها نظيره والأول شاهد والناس يشهدون أن هذا وزن به هذا فظهر مثله أو أكثر أو أقل كان أحسن من أن يوزن أحدهما في مغيب الآخر فانه قد يظن أن الوازن لم يعدل في الوزن كما يعدل إذا وزنها معا فان هذا يعتبر بأن يوزن أحدهما بالآخر بلا صنجة وهكذا الموزونات بالعقل.
وقد بسطنا الكلام في هذا في غير هذا الموضع وبينا أن القياس الصحيح هو من العدل الذي انزله وانه لا يجوز قط أن يختلف الكتاب والميزان فلا يختلف نص ثابت عن الرسل وقياس صحيح لا قياس شرعي ولا عقلي ولا يجوز قط أن الأدلة الصحيحة النقلية تخالف الأدلة الصحيحة العقلية وأن القياس الشرعي الذي روعيت شروط صحته يخالف نصا من النصوص وليس في الشريعة شيء على خلاف القياس الصحيح بل على خلاف القياس الفاسد كما قد بسطنا ذلك في مصنف مفرد وذكرنا في كتاب درء تعارض العقل والنقل ومتى تعارض في ظن الظان الكتاب والميزان النص والقياس الشرعي أو العقلي فأحد الأمرين لازم أما فساد دلالة ما احتج به من النص أما بأن لا يكون ثابتا عن المعصوم أو لا يكون دالا على ما ظنه أو فساد دلالة ما احتج به من القياس سواء كان شرعيا أو عقليا بفساد بعض مقدماته أو كلها لما يقع في الأقيسة من الألفاظ المجملة المشتبهة.
وأبو حامد ذكر في القسطاس المستقيم الموازين الخمسة وهي منطق اليونان بعينة غير عبارته ولا يجوز لعاقل أن يظن أن الميزان العقلي الذي انزل الله هو منطق اليونان لوجوه: أحدها: أن الله انزل الموازين مع كتبه قبل أن يخلق اليونان من عهد نوح وإبراهيم وموسى وغيرهم وهذا المنطق اليوناني وضعه أرسطو قبل المسيح بثلثمائة سنة فكيف كانت الأمم المتقدمة تزن بهذا الثاني: أن امتنا أهل