بالصورة لم يكن تخصيص صورة الدليل بخمسة أو ستة صوابا كما لم يكن تخصيصه بمقدمتين صوابا إذ كان يمكن تصويره بصور كثيرة متنوعة ليس فيها لفظ شرط لا متصل ولا منفصل ولا هو على صورة القياس الحملى كما ذكروه وإن كانت العبرة بالمعنى كان ذلك أدل عل فساد ما ذكروه فان المعنى هو أن يكون ما يستدل به مستلزما لما يستدل به عليه سواء كان مقدمة أو مقدمتان أو أكثر وسواء كان على الشكل والترتيب الذي ذكروه أو غيره.
والصواب في هذا الباب أن يقال ما ذكروه إذا كان صوابا فانه تطويل للطريق وتبعيد للمطلوب وعكس للمقصود فإنهم زعموا أنهم جعلوه آلة قانونية تمنع الذهن أن يزل في فكره وما ذكروه إذا كلفوا الناظر المستدل أن يلزمه في تصوراته وتصديقاته كان أقرب إلى زلله في فكره وضلاله عن مطلوبه كما هو الواقع فلا تجد أحدا التزم وضع هؤلاء واصطلاحهم إلا كان أكثر خطأ وأقل صوابا ممن لم يلتزم وضعهم وسلك إلى المطلوب بفطرة الله التي فطر عباده عليها ولهذا لا يوجد أحد ممن حقق علما من العلوم كان ملتزما لوضعه.
ولهذا يقال كثرة هذه الأشكال وشروط نتاجها تطويل قليل الفائدة كثير التعب فهو لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل فانه متى كانت المادة صحيحة أمكن تصويرها بالشكل الأول الفطري فبقية الأشكال لا يحتاج إليها وإنما تفيد بالرد إلى الشكل الأول أما بإبطال النقيض الذي يتضمنه قياس الخلف وأما بالعكس المستوي أو عكس النقيض فان ثبوت أحد المتناقضين يستلزم نفي الآخر إذا روعي التناقض من كل وجه فهم يستدلون بصحة القضية على بطلان نقيضها وعلى ثبوت عكسها المستوي وعكس نقيضها بل تصور الذهن بصورة الدليل يشبه حساب الإنسان لما معه من الرقيق والعقار.
والفطرة تصور القياس الصحيح من غير تعليم والناس بفطرهم يتكلمون ب الأنواع الثلاثة التداخل والتلازم والتقسيم كما يتكلمون بالحساب ونحوه والمنطقيون