الوجود وان ذلك الوجود عرض لتلك الماهية وان كان لازما لها ولهذا قالوا أن واجب الوجود وجوده لا يعرض لشيء من الماهيات لئلا يلزم التركيب والتعليل فيكون وجودا مقيدا بأن لا يعرض لشيء من الماهيات فلا يجوز أن يكون له حقيقة في نفسه غير الوجود المحض الذي لا يتقيد بأمر ثبوتي.
فيقال له فعلى هذا التقدير قد شارك جميع الموجودات في مسمى الوجود وامتاز عنها بقيد عدمي وهو سلب كل ثبوت وامتاز به كل منها عنه بما يخصه من الحقيقة الموجودة ومعلوم أن الوجود أكمل من العدم وهم يسلمون ذلك فإذا اشترك اثنان في الوجود وامتاز أحدهما عن الآخر بأمر وجودي والآخر لم يميز إلا بأمر عدمي كان الممتاز بأمر وجودي أكمل من الممتاز بأمر عدمي لأنه شارك هذا في الوجود المشترك وامتاز عنه بالوجود المختص وذلك لم يمتز عنه إلا بعدم كل وجود خاص وسواء جعل الوجود المشترك جنسا أو عرضا عاما وجعل المميز بينهما فصلا أو خاصة فعلى كل تقدير يلزم أن يكون ما لم يتميز إلا بعدم دون ما تميز بوجود.
وهم يقولون إنما فررنا إلى هذا من التركيب فيقال أن كان التركيب نقصا لكان ما فررتم إليه شرا مما فررتم منه فان الذي فررتم إليه يوجب أن لا يكون له وجود في الخارج لأن الموجود الذي لا يختص بأمر ثبوتي لا يوجد إلا في الأذهان لا في الأعيان وإذا قدر ثبوته في الخارج فكل موجود ممكن أكمل منه فيلزم أن يكون كل مخلوق ولو أنه ذرة أو بعوضة أكمل من رب العالمين رب الأرض السموات والقول المستلزم هذا في غاية الفساد.
فالحمد لله الذي هدانا لمعرفة الحق وبيان ما التبس على هؤلاء الذين يدعون أنهم أكمل الناس وهم اجهل الناس برب العالمين.
والله تعالى اخبر عن المشركين ما ذكره في سورة الشعراء من قوله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ