يفعل أفعالا متنوعة وتصدر عنه أمور مختلفة وهم يسلمون ذلك ويقولون أن الفاعل بالطبع يتحد فعله والفاعل الاختيار يتنوع فعله وإذا كان كذلك فمعلوم أن ما يفعل بالعلم والإرادة أكمل مما يفعل بلا علم ولا أرادة فالإنسان أكمل من الجماد وحينئذ فان كان باب القياس صحيحا فقياس الرب بما يفعل بعلم واختيار أولى من قياسه بما يفعل بلا علم ولا اختيار فما بالهم شبهوا رب العالمين بالجمادات ونزهوه أن يشبهوه بالأحياء الناطقين.
وهذا الخذلان أصابهم في باب صفاته وأفعاله فهم في باب الصفات يقولون إذا قلنا أنه حي عالم قادر مريد فقد شبهناه ب النفس الفلكية أو الإنسانية فيقال لهم إذا نفيم عنه العلم والحيوة والقدرة والإرادة فقد شبهتموه بالجمادات كالتراب والماء فان كنتم إنما هربتم من التشبيه فالذي إليه شر مما هربتم منه.
ثم إنكم تزعمون أن الفلسفة هي التشبة بالآلة على قدر الطاقة وان الفلك يتشبه به بحسب الإمكان فتجعلون مخلوقاته قادرة على التشبه به من بعض الوجوه فان كان التشبه به منفيا عنه من كل وجه امتنع أن يكون مقدورا للمخلوقات وإن جاز أو وجب إثباته من بعض الوجوه كان هو أقدر عليه من مخلوقاته فكان إذا كان التشبه من بعض الوجوه ممكنا أن يخلق ما فيه من صفات الكمال ما يشبهه من بعض الوجوه أولى من أن يقدر ذلك لمخلوق على أن يحدث لنفسه ما يصير به مشابها له من بعض الوجوه سواء قيل أنه خالق أفعال المخلوقات أو لم يقل بذلك فانه على الأول يكون هو الخالق لما فيه شبه له وحينئذ فيبطل قولهم وعلى الثاني فيكون المخلوق بدون إعانة الخالق له يقدر على أن يحدث ما يشبه الرب والرب لا يقدر على ذلك.
فتبين أن قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد لا يصح استدلالهم به في حق الله تعالى بأي قياس استدلوا