فان كان الدليل مقدمة واحدة قالوا الأخرى محذوفة وسموه هو قياس الضمير وإن كان مقدمات قالوا هي أقيسة مركبة ليس هو قياسا واحدا فهذا قول باطل طردا وعكسا.
وذلك أن احتياج المستدل إلى المقدمات مما يختلف فيه حال الناس فمن الناس من لا يحتاج إلا إلى مقدمة واحدة لعلمه مما سوى ذلك كما أن منهم من لا يحتاج في علمه بذلك إلى الاستدلال بل قد يعلمة بالضرورة ومنهم من يحتاج إلى مقدمتين ومنهم من يحتاج إلى ثلاث ومنهم من يحتاج إلى أربع وأكثر.
فمن أراد أن يعرف أن هذا المسكر المعين محرم فان كان يعرف أن كل مسكر محرم ولكن لا يعرف هل هذا المعين مسكر أم لا لم يحتج إلا إلى مقدمة واحدة وهو أن يعمل أن هذا مسكر فإذا قيل له هذا حرام فقال ما الدليل عليه فقال المستدل الدليل على ذلك أنه مسكر فقال لا نسلم أنه مسكر فمتى أقام الدليل على أنه مسكر تم المطلوب.
وكذلك لو تنازع اثنان في بعض أنواع الأشربة هل هو مسكر أم لا؟ كما يسأل الناس كثيرا عن بعض الأشربة فلا يكون السائل ممن يعلم أنها تسكر أو لا تسكر ولكن قد علم أن كل مسكر حرام فإذا ثبت عنده بخبر من يصدقه أو بغير من الأدلة أنه مسكر علم تحريمه وكذلك سائر ما يقع الشك في الدراجه تحت قضية كلية من الأنواع والأعيان مع العلم بحكم تلك القضية كتنازع الناس في النرد والشطرنج هل هما من الميسر أم لا؟ وتنازعهم في النبيذ المتنازع فيه هل هو من الخمر أم لا؟ وتنازعهم في الحلف بالنذر والطلاق والعتاق هل هو داخل في قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أم لا؟ وتنازعهم في قوله: {أو يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} هل هو الزوج أو الولي المستقل؟ وأمثال ذلك