كان يتنزل عليه طيلة حياته، وقد ينسخ الله سبحانه منه ما يريد، فلما انتفى المانع؛ فعله الصحابة - رضي الله عنهم - باتفاق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «المانع من جمعه كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن الوحي كان لا يزال ينزل، فيغير الله ما يشاء ويحكم ما يريد. فلو جمع في مصحف واحد، لتعسر أو تعذر تغييره كل وقت، فلما استقر القرآن بموته، واستقرت الشريعة بموته - صلى الله عليه وآله وسلم - أمن الناس من زيادة القرآن ونقصه، وأمنوا من زيادة الإيجاب والتحريم، والمقتضي للعمل قائم بسنته، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فعمل المسلمون بمقتضى سنته، وذلك العمل من سنته، وإن كان يسمى في اللغة بدعة» (?).
خامساً: قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: «هذا من قبيل المصالح المرسلة، لا من قبيل البدعة المحدثة، والمصالح المرسلة قد عمل بمقتضاها السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم، فهي من الأصول الفقهية الثابتة عند أهل الأصول وإن كان فيها خلاف بينهم، ولكن لا يعد قدحاً على ما نحن فيه، فقد اختلف الناس في القراءة فخاف الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ اختلاف الأمة في ينبوع الملة، فقصروا الناس على ما ثبت في مصاحف عثمان - رضي الله عنه - وطرحوا ما سوى ذلك، علماً بأن ما طرحوه مضمن في ما أثبتوه؛ لأنه من قبيل القراءات التي يؤدى بها القرآن» (?).
وقال أيضاً: «وهذا له أصل يشهد له في الجملة، وهو الأمر بتبليغ الشريعة، وذلك لا خلاف فيه؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67] وأمته مثله» (?)، وقال الحافظ ابن رجب: «وقد كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يأمر بكتابة الوحي، ولا فرق بين أن يكتب مفرقاً أو مجموعاً، بل جمعه صار أصلح» (?).