وسبق أن نقلنا في الرد على الشبهة الثالثة قول الحافظ ابن رجب الحنبلي (الذي نقل الأستاذ محمد حسين بعضه ولم ينقله كله): «وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع إنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية فمن ذلك قول عمر - رضي الله عنه - لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال: «نعمت البدعة هذه»، ومراده أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصول في الشريعة يُرجع إليها، فمنها أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يحث على قيام رمضان ويُرغّب فيه، وكان الناس في زمنه يقومون في المسجد جماعات متفرقة ووحداناً، وهو - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى بأصحابه في رمضان غير ليلة، ثم امتنع بعد ذلك معللاً بأنه خشي أن يكتب عليهم، فيعجزوا عن القيام به (?)، وهذا قد أُمِنَ بعده - صلى الله عليه وآله وسلم - وروى عنه أنه كان يقوم بأصحابه ليالي الأفراد في العشر الأواخر (?)، ومنها أنه أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين، وهذا قد صار من سنة خلفائه الراشدين، فإن الناس اجتمعوا عليه في زمن عمر وعثمان وعلا». (?)
2 - قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: «فإن قيل كيف سماها عمر - رضي الله عنه - بدعة وحسنها بقوله: نعمت البدعة هذه، وإذا ثبتت بدعة مستحسنة في الشرع ثبت مطلق الاستحسان في البدع.
فالجواب: إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، واتفق أنها لم تقع في زمان أبي بكر - رضي الله عنه - لا أنها بدعة في المعنا، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي، وعند ذلك لا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه» (?)